dimanche 5 juin 2022

لماذا كانت الصلوات خمسا في اليوم ؟ وما هو شكل الصلاة المقبولة

 لماذا كانت الصلوات خمسا في اليوم ؟
وما هو شكل الصلاة المقبولة !

كما يحتاج الجسم الناشط إلى وجبات غنية تمده بالحرارة ، وتجدد ما بلى من خلاياه ، وتحفظ عليه عافيته ، تحتاج النفس الإنسانية إلى وجبات أخرى تعينها علي التحليق ، وتمنعها من الإسفاف ، وتستنقذها من أمواج الفتنة والذهول ، وشتى الأهواء والأقذاء !

إن الإنسان ـ بجواذب من طبعه ـ يحب أن يذكر نفسه وينسى ربه ، يحب أن يضمن مصلحته وحدها ولا عليه أن يضيع الآخرين ، يحب أن يأخذ ولا يعطى ، وإذا أخـذ فالشكر ثقيل عليه ، وإن شكر فكلمـات خفيفة ... ثم لا حق بعـد لأحد !!

وقـد فـرض الله الصلاة على الناس طـهـرا من هذه الدنيا ، وتربية على جميع الفضائل التي تصح بها إنسانيتهم ، وتكمل بها عبوديتهم ، وتتم بها رسالتهم في هذه الحياة ، وهل خلقوا إلا لعبادته سبحانه ؟

وكون الصلوات عددا معينا ككون السعرات الحرارية التي يفتقر إليها الجسم عددا معينا !
لا تتحقق الثمرات المطلوبة إلا بهذا المقدار ، ويقع الخلل المادي والأدبي بمقدار هنا وهناك !

وتنظر إلى حـقـيـقـة الصلاة التي شرعها الله للناس ، يقـول الـفـقـهـاء عن هذه الصلاة : إنها أقوال وأفعال مبدوءة بتكبير الله تبارك اسمه ، ومختومة بالسلام على عباد الله جميعا . . .

قالوا : أما الأفعال فقد استوعبت صور التحية التي كان يتقدم بها الناس إلى رؤسائهم وعظمائهم بعـد تجريدها من المقـاصـد الرديئة !
الوقوف الخاشع !
الـقـعـود المؤدب !
الركوع والسجود اللذان هما نهاية الاستكانة والاستسلام .. !

فأفعال الصلاة أن نقـوم لله قانتين ، وأن نركع ونسجد له معظمين ، وأن نقعد مخبتين قائلين له : إن هذه التحيات التي أديناها ، وكل عمل صالح نقوم به في حياتنا هو لك وحدك ياربنا الكبير !!

أليس ربنا أهلا لهذه التحيات اللطيفة نقدمها له - سبحانه ـ صباحا ومساء ؟
بلى !
وهو أهل الـتـقـوى وأهل المغـفـرة . . لذلك يقـول الله لكل مسلم :
{ وَأَقِمِ الصَّلوٰةَ طَرَفَىِ النَّهارِ وَزُلَفًا مِنَ الَّيلِ إِنَّ الحَسَنٰتِ يُذهِبنَ السَّيِّـٔاتِ ذٰلِكَ ذِكرىٰ لِلذّٰكِرينَ } ( 1 ) .

وربما أحس المرء بكلفة في أداء هذا الواجب ! واستثقل تكراره، ألم نقل الإنسان قليل الشكر ؟
{ وَاصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ } ( 2 ) .

وتكتنف أفعال الصلاة أو تتخللها أقوال كثيرة والمطلوب أن يكون المصلى حاضر الوعي حين يتكلم ، فإذا بدأ صلاته قائلا : الله أكبر ، فمعنى ذلك أنه في موقف جدير يجمعه مع الله فلينتبه !

ويسمى الفقهاء هذه التكبيرة: تكبيرة الإحرام ، كأن الإنسان حرم على نفسه الانشغال بشيء آخر لأنه شرع في مناجاة الله ، والالتفات إليه وحده . .

والأقوال التي يرددها المصلى كثيرة ، لعل أهمها تلاوة أُمّ الكتاب ، وقراءة هذه السورة ليس اختبارا في الحفظ ! فإن كلماتها تمثل لقاء حيا بين الله وعبده ، العبد يتكلم والسيد يجيب !
في الحديث القدسي :
« قسمت الصلاة بيني وبين عـبـدي نـصـفين ، فنصـفـهـا لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل ... » . .

فإذا قال العبد : { الحمد لله رب العالمين }
قال الله عزوجل : حمدنی عبدی !
وإذا قال: { الرحمن الرحيم }
قال الله : أثنى على عبدي ..
وإذا قال : { مالك يوم الدين }
قال : مجدنی عبدی ..
وإذا قال : { إياك نعبد وإياك نستعين }
قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ..
وإذا قال : { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
قال : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل أي أعطيته ما طلب ..

وتكرار هذه المعاني حق ، فإن نعم الله مترادفة توجب تكرار الشكر ، وذكر الله بصفاته العلا ، وأسمائه الحسنى ثناء صادق ومدح مستحب ، والشعور بيوم الدينونة وملكه القائم على كل نفس بما كسبت يكفكف الغرور بالدنيا . .

وتعهد المصلي أن يعبد الله وحده ، ويستعين بالله وحده هو رب التوحيد . فإذا وفى المصلى بعهده ، وسأل ربه من رفده، منحه ما يطلب ، وأفضل ما يطلب الإنسان هدى يقـيـه الانحراف ، ورضـا يـقـيـه الطرد ، ونعـمـة تقـر بها عينه ، وسدادا يقـيـه الحيرة . . . !
الظفر بذلك سعادة الدنيا والأخرى . . !

ومع فاتحة الكتاب يقرأ المرء ما يشاء من الكتاب نفسه . وفي هذه الزيادة معرفة أكثر بالوحي الأعلى ، وما فيه من تبصرة بشئون الحياة كلها . .

ثم يركع المصلى مسبحا ربه العظيم ، فكم من سكان الأرض يشرك به أو يجحد وجوده ، أو يجهل ماينبغى له من نعوت الكمال ، أما المسلم فهو يخالف أولئك جميعا وینزه ربه عما لا يليق به من نقائص، وهو موقن بأن تنزيهه هذا قد صعد إلى الله الجدير به ولذلك يرتفع من ركوعه قائلا : سمع الله لمن حمده .. أي استجاب الله لمن أثنى عليه وحمده .

وكان رسول الله ﷺ يرفع من ركوعه أحيانا ويقول :
« اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما من شيء بعـد ، أهل الثناء والمجد ، أحق مـا قـال العبد . وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجده »!!

ومعنى الجملة الأخيرة أن المرء لا ينفعه عند الله ما نال في الدنيا من حظوظ الرفعة والنعمة ، فليس في ذلك دليل على الرضوان إلا على { اللَّهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ وَيَقدِرُ وَفَرِحوا بِالحَيوٰةِ الدُّنيا وَمَا الحَيوٰةُ الدُّنيا فِى الءاخِرَةِ إِلّا مَتٰعٌ } ( 3 ) .

ثم يـهـوى المصلى سـاجـدا يسبح اسم ربه الأعلى ، ومع كل ركـوع سـجـودان ! والإنسان يكون في أزكى الأحوال وأشرفها عندما يضع جبهته على الأرض بين يدى ربه ، فليدع بما شاء .  

وكان النبي أحيانا يقول في سجوده :
« سـجـد وجهي للذي خلقه وصـوره وشق سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين »
أو « سبحان ذي الملكوت والجبروت والعظمة ».
وهذه الحركات كلها يكتنفها التكبير بدءا أو ختاما . .

وفي الـقـعـود الأول أو الأخـيـر يـذكـر المرء لربه أن كل ما سبق من أفعال وأقوال تحيات لوجهه الكريم ، فهـو يـقـول :
التحيات لله ، والصلوات الطيبات ، ثم يلقى السلام على صاحب الرسالة العظمى لقاء ما علم وربّى وأرشد ، وكأن هذا السلام إشارة إلى أنه الأسوة الحسنة ، في إقام الصلاة ، وسائر الشرائع التي جاء بها ! ثم يرسل سلاما آخر على نفسه وعلى عباد الله الصالحين . . !

ما أحلى هذه الكلمات كلها ، وما أشرف الصلاة التي يكلف المسلم بأدائها، والمهم أمران :
أحدهما عقلي والآخر قلبي !

أما العقلى فيجب أن يعلم ما يقول ، ويعرف ما يناجي ربه به فقد جاء في السنة أن المرء لا يكتب له من صلاته إلا ما عقل منها !
أما أن يكون سكران بخمرة الدنيا وشواغلها ، ثم يقف تائها لايدري ما يتكلم به فهذا هبوط وضياع { لا تَقرَبُوا الصَّلوٰةَ وَأَنتُم سُكٰرىٰ حَتّىٰ تَعلَموا ما تَقولونَ } ( 4 ) .

أما القلبي فإن الصلاة تورث الخشوع والأدب والخشية ، وهي معراج روحي يرقى بصاحبه إلى الملأ الأعلى ، إنها ـ إن أقيمت كما شرع الله ـ توبة كاملة تمحو الخطايا مـحـوا ، وتطهـر النفس، قال عليه الصلاة والسلام :
« أرأيتم لو أن بـبـاب أحـد كـم نـهـرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، ما تقولون أيبقى ذلك من درنه شينا ؟ »
قالوا : لا يبقى ذلك من درنه - قذاه - شيئًا !
قال : « فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا »

والأساس أنها تعصم من الخطايا ، وتحول دون مواقعتها كما قال تعالى :
{ إِنَّ الصَّلوٰةَ تَنهىٰ عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ } ( 5 ) .

بيد أن البـشـر ضـعـاف وقـد تهي إرادتهم أمام إغراء ما ، ويزلهم الشيطان، فهل ييأسون من تسام ومتاب وعود إلى الله ؟

كلا ، فليـفـزعوا إلى الصلاة فهي تنقي أرواحهم وتشد عزائمهم إلى الصراط المستقيم ، المسلم لا يذهب إلى كاهن يأخذ بيده ، فليس الكاهن خيرا منه ، ولو فرضنا أنه خير فما ينفع إلا نفسه ولا مفزع إلا إلى الله . . .

( 1 ) هود : 114 .
( 2 ) هود : 115.
( 3 ) الرعد : 26.
( 4 ) النساء : 43.
( 5 ) العنكبوت : 45.

#مائة_سؤال_عن_الإسلام_للشيخ_محمد_الغزالي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire