jeudi 8 octobre 2020

لماذا وَصَّى الإسلام بصلاة الجماعة وفَرَض صلاةَ الجُمعة؟ : الشيخ محمد الغزالي


الصلاة جزء من النشاط الإسلاميّ فوق كل أرض يَعْمُرُها الإسلام، والمسجد هو السِّمَة الأُولَى للحضارة الإسلامية في كل قرية أو مدينة. وعندما يَنْجَح المؤمنون في إقامة مجتمعهم بعيدًا عن إذلال الفَتَّانِينَ وعَمَايَة الكافرين، فإن أول عمل يُفَكِّرُونَ فيه ويُبَادِرُونَ إليه هو إقام الصلاة، استجابة للآية الكريمة: (الذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ) (الحج: 41) وقد حاول البعض أن يَدخُل في الإسلام متخفِّفًا من الصلاة فأبَى الرسول إباءً حازمًا وهو يقول: "لا خير في دين بلا صلاة".

ونَبَّهَ القرآن الكريم إلى أنَّ المَدَنِيَّات التي تَفَسَّخَت وبادت هي تلك المدنيات التي جَفَّت فيها ينابيع الروحانية، وهَيْمَنَت عليها الشهوات المادية، وانْقَطَعَت بالله صلتُها، فقطع عنها بركته! قال ـ تعالى ـ في وصف هذه الأجيال المُنْحَلَّة: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (مريم: 59).

إنَّ ارتباط العِفَّة والاعتدال بالصلاة مَفهوم، واشتداد السُّعَار الحيواني مع البعد عن الله واقع، ولنْ تَكْسِب الحضارات المُغْرِقة في المادة إلا الصراعَ على الوهم، والهلاكَ وراء سراب يَلْمَع ولا غَوْثَ فيه!

وقد أَوْصَى الإسلام بالانطلاق إلى المسجد خَمْس مرات كل يوم، وحافَظَ المسلمون على ذلك حتى قال ابن مسعود: لقد رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلِمَ نِفَاقُه أو مريض. وقال: إن رسول الله عَلَّمَنَا سُنَن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاةَ في المسجد الذي يُؤَذَّن فيه.

ويَظْهَر أنَّ أعداء الإسلام عَلَى عهد الوحي غاظَهم هذا المنظر المَهِيب المتكرر بالغُدُوِّ والآصال؛ منظر المسلمين وهم يجيئون من ,أطراف المدينة ليصلُّوا وراء نبيهم، ما تَنْفَضُّ لهم جماعة حتى تَقُومَ أخرى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء: 103) فماذا يَصْنَعُون؟ أَخَذُوا يُنَفِّسُونَ عن ضغائنهم بالغمز واللمز، وربما تضاحكوا، وعقدوا المجالس عند سماع الأذان وقيام الجماعات لِيُرْسُوا التعليقات الساخرة! وهذا مسلك شرير يمكن تركه. ونزل الوحي يطالب المؤمنين أن يُقَاطِعوا هؤلاء العابثين، وأن يتجهموا لهم، وهذا أقل ما يمكن عمله (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةَ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) (المائدة: 57،58).

ما الذي جَمَعَ اليهود وعَبَدَة الأصنام والمنافقين على التندر بالدين الجديد والنَّيْل من شعائره؟ إنه الإِيغَال في الكفر والتحدي!

وكَرِهَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنْ يُقابَل الإسلام بهذا المُجُون، وأن تُنَالَ شَعَائِره بهذا العبث، وأن يَجِد المنافقون ظهيرًا لهم من بين الكفار يساعدهم على النَّيل من المسلمين بهذا الأسلوب الدنيء، فأرسل هذا التحذير الذي بلغ صداه القوم فأَقَضَّ مضاجعهم، قال: "لَقَدْ هَمَمْت أن آمرَ بالصلاة فتقام، ثم آمرَ رجلًا يصلي بالناس، ثم أنْطَلِقَ معي برجال معهم حُزَمٌ من حطب إلى قوم لا يَشْهَدُون الصلاة، فأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهم". وكانت أَثْقَلَ صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر! ولا ريب أنهم المَعْنِيُّون بالتهديد السابق؛ فإن اليهود والنصارى لا يُكَلَّفون بصلاة.

وليس معنى الحديث أن تجميع الناس للصلاة يتم بالتهديد، فذلك مستحيل؛ لأن جمهرة المؤمنين كانوا ابتغاء وجه الله يُهْرَعُون إلى المسجد كلَّما سَمِعوا النداء، وكان أَمَلُهم ادِّخَارَ الأَجْر العظيم عند الله. قال ابن مسعود: إنَّ كان المريض لِيَمْشي بين الرجلين ـ يَحْمِلانه لِمَرَضه ـ حتى يأتيَ الصلاة، وكان أَبْعَدَ الناس مَمْشًى يَحْتَسب خُطَاه عند الله ويحرص على الانتظام في الصفوف.

لكن من حق المؤمنين عند إقام الصلاة في الجماعات العامة ألاّ تَنْتَظمَ جماعات أخرى للعبث، وألاّ تَنْعَقدَ مجالسُ لِجِدٍّ أو هَزْل، وألاّ تُقَام أسواق للشغب.

وقد لاحظ الناس عند عَقْد اجتماعات الهُدْنة بين المصريين واليهود أن اليهود كانوا يَتَحَرَّوْن أيام الجمعة للمفاوضات، وكأنهم يريدون عمدًا انتهاك وقت الجمعة وإضاعة شعائرها!

وتهديد الساخرين والماجنين بالتحريق عليهم تَرَكَ أَثَرَه، ولم يُؤْثَر قَطُّ عن النبي الكريم أو أيام الخلافة الراشدة أنْ وَقَع شيء من ذلك، وقد شَرَحْنا ملابسات هذا التهديد كما جاءت في الكتاب العزيز، فلا مَجال للاستخفاف والقول بأنَّ الإسلام يَأْمُر بإحراق المُتَخَلِّفِينَ عن الصلاة.
عن أمِّ الدرداء قالت: دَخَل عليَّ أبو الدرداء وهو مُغْضَب فقلت: ما أَغْضَبَك؟ قال: والله ما أعرف من أمر أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئًا إلا أنهم يُصَلُّون جميعًا.

وعن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأَسْمَعُ بكاء الصبي فأَتَجَوَّز في صلاتي أُخَفِّفُها لِمَا أعلم من وَجْد أمِّه من بكائه".

وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا سلم من صلاته يمكث في مكانه يسيرًا، فنُرَى ـ والله أعلم ـ أن مُكْثَه لكي ينصرف النساء قبل أنْ يُدْرِكَهُنَّ الرجال.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أَوَّلُها وشَرُّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرُّها أَوَّلُها". وظاهرٌ أن الوصف بالشر لمن يحاول من الجنسين أن يَقْتَرب من الآخر! أما من لا يَجُول بخاطره شيء يَرِيب فلا يَلْحَقه إثم، والمراد توفير جو الطُّهر والتقوى في المسجد.

وهذه الآثار المتتابعة قليل من كثير من السنن الدالة على أن المسجد كان يستقبل الأمة كلها، وإن إقصاء النساء عنه لم يُعرف في سلف الأمة، بل كانت روحانية المسجد وثقافته تَسْرِيَان على امتداد الشوارع وداخل البيوت.

وإذا كانت الجماعة للصلوات الخمس سنة مؤكدة، فإن حضور الجمعة فرض عَيْن على كل مسلم قادر. قال تعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة: 9).

وعن عبد الله بن عمرو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَحضُر الجمعة ثلاثة نَفَر: فَرَجل حضرها يَلْغُو، وهو حظه منها. ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دَعَا الله إن شاء أعطاه وإنْ شَاءَ منعه. ورجل حَضَرَها بإنصات وسكوت ولم يَتَخَطَّ رقبة مسلم ولو يُؤْذِ أحدًا، فهي كفارة له إلى الجمعة التي تَلِيهَا وزيادة ثلاثة أيام، إن الله ـ تعالى ـ يقول: (مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (الأنعام: 160).

وقال عليّ بن أبي طالب وهو يَخْطُب على مِنبر الكوفة: "إذا كان يوم الجمعة غَدَت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيَرْمُونَ الناس بالرَّبَائِث الربيثة: ما يَعُوقُ المرءَ عن عمله ويصرفه عن واجبه ويُثَبِّطُونَهم عن الجمعة، وتَغْدُو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد يَكْتُبُون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين، حتى يَخْرُج الإمام، فإذا جلس الرجل مجلسًا يَسْتَمْكِن فيه من الاستماع والنظر، فأَنْصَتَ ولم يَلْغُ كان له كِفْلَانِ مِن الأجر، فإِنْ نَأَى وجلس حيث لا يسمع، فأنصَتَ ولم يَلْغُ كان له كِفْل من أجره، وإن جلس مجلسًا يستمكن فيه من الاستماع والنظر، فلَغَا ولم ينصت كان عليه كفلان من وزر، فإن جلس مجلسًا لا يستمكن فيه من الاستماع والنظر، فَلَغَا ولم يَنْصِت كان عليه كفل من وِزْر، ومن قال لصاحبه يوم الجمعة: صَهٍ. فَقَدْ لَغَا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء". ثم قال في آخره: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول ذلك.

والجمعة شعيرة تَرجَح أعظَمَ أجهزة الدعاية التي وصل إليها العالم، وإذا كان المسلمون الآن ألف مليون نَسَمَة فمفروض أن تُلْقَى بينهم خُطَب بين المليون والمليونين كل أسبوع! يقوم رجل مُوَجِّه فيَتَحَدَّث باسم الله إلى عباده، يقول ما لَدَيْه، والمصلُّون صامتون يُصْغُون لِمَا يقال، لا يتشاغل عنه أحد، ولا يَنْصَرِف من مكانه حتى يَسْمَع الخطبة كلها ويُؤَدِّيَ الصلاة.

إن أمة هذه نُظُمُها ينبغي أن تَتَوَحَّد صبغتها ووجهتها، وأن يرقى مستواها الفكريّ والعاطفيّ، وأن تُغَالِب أسباب التفكك والفرقة.

وأكره أن تكون الخطبة تحرشًا شخصيًّا، أو تهجمًا سياسيًّا، أو تعليقًا مَقْصُورًا على الأحداث العابرة، فإنَّ المساجد لم تُبْنَ لشيء من هذا، وتشريع الخطبة كما جاء في القرآن الكريم: (اسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) والذكرُ المقصودُ ربطُ الناس بربهم من خلال النظر في آفاق الكون وشؤون الناس على نحو ما وضح القرآن الكريم: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ) (فصلت: 53).

وتطويل الخطبة غير سائغ ولا مشروع، فعن أبي وائل قال: خَطَبَنَا عمار بن ياسر فأوجز وأبلغ، فلَمَّا نَزَلَ قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أَبْلَغْتَ وأَوْجَزْتَ، فلو كنت تَنَفَسَّتَ! أَطَلْتَ فقال: إني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "إن طول صلاة الرجل وقِصَرَ خطبته مَئِنَّةٌ مِن فِقهه علامة فأَقْصِروا الخطبة وأطيلوا الصلاة".

وكانت أكثرَ خطَب رسول الله من القرآن الكريم؛ ولذلك لم تُحْفَظْ عنه خطَب من كلامه ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلا على نُدْرَة، وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: ما أخذتُ (ق والقرآن المجيد) حَفِظْتُها إلا من لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الجمعة. يقرأ بها على المِنبر في كل جمعة كانت قَدْ شَهِدَتْها، والمفروض أن خطبة الجمعة كانت نحو خمسمائة مرة بعد هجرته عليه الصلاة والسلام.
من كتاب الشيخ محمد الغزالي: 
مائة_سؤال_عن_الإسلام

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire